2012-06-19

مقدمة إلى اللون

ما أهمية اللون؟

منذ اللحظة التي نفتح فيها عيوننا أطفالًا في المهد، تعصف بأعيننا المشاهد الملونة التي تتحول إلى مشاهدة يومية في حياتنا. ولا نقدر هذه النعمة التي رزقنا الله إياها إلا بزوالها أو بتغيرها؛ لاحظ كم هو مقزز الموز الأرجواني في الصورة وكم هو لذيذ باللون الذي أصبغه الله عليه.

أيهما ألذ، الموز الأصفر أم الموز الأرجواني ؟
ونحن البشر نعتمد اعتمادًا أساسيًا على اللون في نظامنا البصري. وفي المراحل الأولى للبشرية، كان التمييز بين المواد الغذائية الصحية السليمة والمواد الغذائية التي يمكن أن تؤذينا يعتمد اعتمادًا أساسيًا على القدرة في تحديد التغير في اللون.

ما هو اللون؟

حتى نفهم اللون أكثر، يجب علينا بدء رحلتنا ببعض الشرح عن الضوء الصادر عن المنبع الضوئي، مثل الشمس، وهي المنبع الضوئي الأساسي على كرتنا الأرضية. تولد الشمس كمية هائلة من الطاقة الإشعاعية الكهرطيسية. وتعتمد طبيعة هذه الطاقة على طول موجتها، وقد منحنا الله خالقنا القدرة على رؤية جزء صغير جدًا من هذه الطاقة يعرف بالضوء أو الطيف المرئي. ونحن نعرف أجزاءً أخرى من هذا الطيف الكهرطيسي، مثل أشعة غاما، والأشعة السينية ذات الأطوال الموجية القصيرة، والأشعة الميكروية، والأشعة الراديوية ذات الأطوال الموجية الطويلة، ولا يمكننا رؤية أي من هذه الإشعاعات. الضوء بذاته غير ملون، ولكنه عندما يدخل إلى العين تُرسل إشارات إلى الدماغ الذي يولد الإحساس باللون. تقوم تلك الحزمة الضيقة من الضوء المرئي ذات الأطوال الموجية المختلفة بتوليد الإحساس بالألوان المختلفة.

كيف نرى اللون؟

إن ما نسميه ضوءًا أبيض هو ضوء يضم جميع الأطوال الموجية التي يمكن للمرء رؤيتها. يتولد الإحساس باللون الأبيض من التأثير المتزامن لجميع هذه الأطوال الموجية على العين. عندما نرى قوس قزح أو عندما يمر الضوء عبر الموشور فإنه يتحلل وفق الأطوال الموجية المختلفة فنتمكن من رؤيتها كألوان منفصلة. وعدم قدرتنا على الرؤية خارج حدود الطيف المرئي لا ينفي قدرة بعض الكائنات الأخرى على الرؤية خارجها. فبعد اللون الأحمر تأتي الأشعة تحت الحمراء التي نشعر بها كحرارة، وبعد اللون البنفسجي تأتي الأشعة فوق البنفسجية التي يمكن أن تؤذي جلدنا. عندما ننظر إلى جسم ما، فإن اللون الذي نراه يعتمد على الضوء المنعكس منه إلى العين. تخيل أن جميع الأطوال الموجية (الألوان) التي تضاف إلى بعضها لتكون الضوء الأبيض تسقط على بقعة ذات لون أحمر. ولأننا نراها بلون أحمر فهذا يعني أن الأطوال الموجية الحمراء تنعكس عن الجسم إلى العين. ماذا حدث إذن للأطوال الموجية الأخرى؟ لقد امتصتها الخضب التي تلون تلك البقعة. يمكن توليد الضوء الأبيض بإضافة الضوء الأحمر إلى الأخضر إلى الأزرق على سطح أبيض كما هو مبين في الشكل.

الألوان الأولية الجمعية
هذه الألوان تعرف بالألوان الأولية الجمعية (Additive primary colours). اقرأ مقالتي السابقة بعنوان "المزج الجمعي للألوان" http://arabicolour.blogspot.ro/2011/05/blog-post.html. نلاحظ أيضًا وجود ثلاثة ألوان أخرى تولدت من مزج كل زوج من الألوان الأولية. هذه الألوان هي السيان والقرمزي والأصفر وتسمى بالألوان الثانوية الجمعية. تذكر أننا هنا نمزج الضوء بأطوال موجية مختلفة وهذا الكلام يختلف مع الطلاء أو الأصبغة أو الأحبار.

المزج الجمعي للألوان:

أفضل مثال عن المزج الجمعي للألوان هو الصور التي نراها في الرائي أو شاشة الحاسوب. فالألوان الوحيدة التي تولدها هذه الشاشات هي الألوان الأولية الجمعية فقط وهي الأحمر والأخضر والأزرق. أي عنصورة (بيكسل) في الشاشة هي مزج للضوء الأحمر والأخضر والأزرق. ويمكن لهذه الأضواء أن تتفاوت في الشدة لتولد صورة واضحة. كل الألوان التي نراها في الرائي وشاشة الحاسوب وشاشة الهاتف النقال تتولد بمزج كميات مختلفة من الضوء الأحمر والأخضر والأزرق. ويتولد عدد لا نهائي نظريًا من الألوان، مع أن العين البشرية يمكن أن تميز الفرق بين عدة ملايين (17 مليون) لون في مجمل الطيف المرئي. عيوننا حساسة فقط للضوء الأحمر والأخضر والأزرق و 8% من الناس لديهم مشاكل في تمييز لون أولي جمعي واحد أو أكثر. هؤلاء الناس مصابون بنقص في الرؤية اللونية أو بالاسم الشائع "عمى الألوان"، مع أن شخصًا واحدًا من 17 مليون شخص يكون مصابًا بعمى الألوان الكلي.
ملاحظات مهمة:
- عندما يسلط مجمل الطيف المرئي على سطح أبيض فإن جميع الأطوال الموجية (الألوان) تنعكس فنرى اللون الأبيض.
- عندما يسلط مجمل الطيف المرئي على سطح أسود فإن جميع الأطوال الموجية (الألوان) تمتص فنرى اللون الأسود.
- عندما يسلط مجمل الطيف المرئي على سطح ملون فإن بعض الأطوال الموجية ستمتص وسينعكس الباقي لنراه لونًا للسطح.

 المزج الطرحي للألوان:


تعرف الألوان التي نراها في الطبيعة والألوان المستخدمة في الطلاء والأحبار والأصبغة بالألوان الطرحية لأنها تتولد بامتصاص أو بطرح بعض الأطوال الموجية للضوء الساقط عليها. فالخضب والأصبغة هي مركبات تمتص الضوء عند أطوال موجية خاصة لتولد لونًا معينًا. فمثلًا تحتوي الطماطم خضبًا تمتص الضوء في مجال الأطوال الموجية الممتد من البنفسجي وحتى الأخضر، وتعكس الأحمر والأصفر، وهذا يولد اللون الأحمر البرتقالي عندما ينعكس إلى العين. إذا امتص السطح الضوء الأزرق فقط، فسنرى اللون الأصفر. وإذا امتص اللون الأحمر فقط، فسنرى لون السيان. وإذا امتص الأخضر فقط، فسنرى اللون القرمزي. هذه الألوان الثلاثة، القرمزي، والسيان والأصفر، تعرف بالألوان الأولية الطرحية وهي ألوان تستخدم يوميًا أثناء الرسم والطباعة من الحاسوب وصباغة النسيج. ويمكن مزج هذه الألوان لتوليد عدد غير منته من الألوان. ليكن لدينا ثلاث شرائح شفافة متداخلة، كل واحدة منها تمثل لونًا أوليًا طرحيًا (السيان والقرمزي والأصفر).


شرائح شفافة متداخلة من الألوان الأولية الطرحية
في مكان التداخل ستمتص مزيدًا من الضوء وستولد ألوانًا جديدة أدكن. مكان تداخل الأزواج ستتولد الألوان الثانوية الطرحية، وهي الأحمر والأزرق والأخضر. ونلاحظ أن هذه الألوان، وهي الأحمر والأخضر والأزرق، هي ذاتها الألوان الأولية الجمعية. وفي مكان تقاطع الشرائح الثلاثة ستمتص الأطوال الموجية جميعها وسنرى اللون الأسود.
الألوان المكملة:
إذا أخذنا الألوان الأولية الجمعية والألوان الأولية الطرحية وجعلناه في دولاب ألوان بسيط كما في الشكل. دولاب الألوان البسيط فيه كل لونين متقابلين متكاملين، وكل الألوان المتقابلة في دولاب الألوان تسمى ألوانًا متكاملة. إذا أخذنا أحد أزواج الألوان المتكاملة، مثل الأزرق والأصفر، وعاملناهم كألوان للأضواء، فإننا نعرف مما سبق أن الألوان الجمعية المكونة للضوء الأصفر هي الضوء الأحمر والأخضر. أضف هذه الأضواء إلى اللون في الطرف المقابل وهو الأزرق سنحصل عندها على الضوء الأحمر والأخضر والأزرق، والتي رأينا أن مزجها سيولد الضوء الأبيض، وهذا سيحدث مع كل زوج من الألوان المتكاملة.
دولاب ألوان بسيط فيه كل لونين متقابلين متكاملين