2015-02-05

الفورمالدهيد في النسيج

    في كانون الثاني 2009، قُدم لباس أزرق جديد إلى ضباط أمن النقل في مئات المطارات الأمريكية، وظهر الضباط بهذا اللباس برونق جميل، ولكنه أدى أيضًا إلى تقرحات جلدية، وسيلان أنفي، وصداع خفيف، وعيون حمراء، وشفاه منتفخة متشققة. وجه الاتحاد الأمريكي للموظفين الحكوميين الاتهام إلى الفورمالدهيد. وفي 2008، رفعت امرأة من أوهايو دعوى قضائية ضد محلات فيكتوريا سيكرت، زاعمة أنها "مرضت تمامًا" بعد ارتداء حمالة صدر جديدة اشترتها منها. وقال المدعي بأن الطفح الجلدي الذي عانته موكلته كان "أحمرَ، حار الملمس، محرقًا ومثيرًا للحكة". وبعد شكوى المزيد من الناس (600 على وجه الدقة) وادعائهم بردود فعل جلدية مروعة، وندبات دائمة عند البعض نتيجة ارتدائهم حمالات الصدر من محلات فيكتوريا سيكرت، رُفعت دعاوى قضائية في ولاية فلوريدا ونيويورك بعد اكتشاف المحامين للفورمالدهيد في حمالات الصدر.

     ما قصة الفورمالدهيد هذا؟
    استخدمت صناعة النسيج لسنوات طويلة راتنج الفورمالدهيد في تهذيب النسيج لمنع تغضنه، فالأقمشة السليولوزية أو الممزوجة تعالج عادة براتنج يوريا-فورمالدهيد للحصول على خاصية "الكي الدائم" أو "العناية السهلة" (Durable press & Easy Care)، ونصفه في الشام بـ "غسل ولبس"، فالقماش الناتج عن عملية الغسل لا  يحتاج إلى كي. لن أتحدث في هذه المقالة عن معالجة الكي الدائم أو العناية السهلة، وإنما أفردت هذه المقالة للحديث عن الفورمالدهيد، فما هو؟ وما هي تأثيراته؟ وما هي استخداماته في تهذيب النسيج؟

    الفورمالدهيد مادة كيميائية رخيصة ومفيدة، فضلًا عن كونها منتجًا طبيعيًا. وهي موجودة حولنا في الهواء والفاكهة والخضار والخشب، وفي دمنا أيضًا. ويتولد الفورمالدهيد في كل عملية احتراق غير كاملة، مثل احتراق الدخائن (دخينة = سيكارة). لا يتراكم الفورمالدهيد في البيئة بسبب تفاعله مع الأوكسجين ليشكل حمض النمل. وعند وصول تركيز الفورمالدهيد في الهواء إلى نسبة أكبر من 1 جزء في المليون، فإننا نشم رائحة لاذعة (عتبة الشم عند الإنسان هي 0.5 جزء في المليون).

     الفورمالدهيد، واسمه العلمي الميثانال، هو مركب عضوي من فصيلة الألدهيدات (RCHO) ذو الصيغة الكيميائية (CH2O)، وهو غاز عديم اللون، وقابل للاشتعال. وهو سريع الانحلال في الماء، ويباع تجاريًا محلولًا مائيًا ذا رائحة لاذعة مميزة، وعندما يصل تركيزه إلى 30-40% يسمى "الفورمالين"، ويضاف له عادة 10% ميثانول لمنع تبلمره. وعُرف الفورمالدهيد بأنه صديق المحنطين، فقد استخدم منذ زمن في دور الجنائز، وفي مخابر الأحياء، لتأثيره الواضح في تخثير البروتينات ودباغة الجلود. وتأثير الفورمالدهيد على البشر مرتبط بشدة وطول فترة التعرض له، وحساسية الشخص لهذه المادة. وتعرض الشخص للفورمالدهيد يكون باستنشاق الهواء المشبع بأبخرته، ويمكن للجلد أن يمتصه بسهولة. ويتحرر الفورمالدهيد من القماش المغطى (coated) بزيادة الرطوبة ودرجة الحرارة في الأيام الحارة أو أثناء كي الأقمشة المغطاة.

    يستخدم الفورمالدهيد في المعالجة اللاحقة للصباغة بالأصبغة المباشرة من أجل تحسين الثباتية ضد الغسل، وعامل ارتباط تصالبي في المعالجة بالراتنج، ويضاف إلى الصباغة بأصبغة النافتول، وهو مكون للعديد من المواد اللاصقة. والفورمالدهيد هو أحد المسرطنات الممكنة. أكبر المشاكل الخطيرة مع الفورمالدهيد والنسيج حدثت في القص والخياطة. يُنصح، عند الاستخدام العادي، بغسل الملابس مرارًا وتكرارًا، لتجنب ظهور مشاكل متعلقة بالفورمالدهيد، ومن المستحسن غسل المنسوجات المعالجة بالكي الدائم قبل استخدامها لأول مرة. ولكني أشك في هذ الكلام التجاري، ودعنا نفكر بالأمر، لماذا يستخدم المصنعون معالجة ضد التغضن يمكن أن تزال بالغسل؟ إن كان كلامهم صحيحًا، فإن قميصك المعالج سوف يفقد خاصية "العناية السهلة" بغسله مرة أو مرتين وستحتاج إلى كيّه من جديد. هل تجد ذلك منطقيًا؟ المصنعون حقيقة يسعون إلى إدامة تأثير المعالجة ما أمكن، وأن لا تؤثر فيها عملية الغسل أبدًا، وقد وجدت بعض الدراسات عدم تغير نسبة الفورمالدهيد بعد غسلتين [1]. وقد سنّت العديد من الدول قوانينَ تحدّد حدود تركيز الفورمالدهيد في مكان العمل (0.75 جزء في المليون في الولايات المتحدة الأمريكية و0.5 جزء في المليون في ألمانيا). وهناك قيود حكومية أيضًا (في الاتحاد الأوروبي واليابان)، ومتطلبات الشركات (مثل ليفي شتراوس، وماركس أند سبنسر) وعدة وسوم (label) (مثل Öko-Tex Standard 100) الذي وضع حدودًا للفورمالدهيد الحر أو سهل التحرر في المنسوجات. تحدد هذه الحدود دائمًا بطريقة اختبار خاصة للفورمالدهيد بسبب وجود اختلافات كبيرة في النتائج بين مختلف طرق اختبار الفورمالدهيد. مثلًا، الأقمشة المهذبة لملابس الكبار والأقمشة الأخرى التي تكون على تلامس مع الجلد قد توسم ويقال عنها أنها معالجة منخفضة الفورمالدهيد وفقًا لـ (Öko-Tex Standard 100) عندما يكون محتوى الفورمالدهيد أقل من 75 جزء في المليون وفقًا لطريقة (Japan Law 112).

    1. Rao S, Shenoy SD, Davis S, Nayak S.,  “Detection of formaldehyde in textiles by chromotropic acid method”. Indian J Dermatol Venereol Leprol 2004;70:342-4